Suriy-i-Muluk/Arabic17
أَنْ يَا حُكَمَاءَ المدِينةِ وَفَلاسِفَةَ الأَرْضِ لا تَغُرَّنّكُمُ الحِكْمَةُ بِاللهِ المُهَيْمِنِ القَيُّومِ، فَاعْلَمُوا بِأَنَّ الحِكْمَةَ هِيَ خَشْيَةُ اللهِ وَعِرْفَانُهُ وَعِرْفَانُ مَظَاهِرِ نَفْسِهِ وَهذِهِ لَحِكْمَةٌ الَّتِي لَنْ يَنَالَهَا إِلَّا اَلَّذِينَ هُمْ انْقَطَعُوا عَنِ الدُّنْيَا وَكَانُوا فِي رِضَى اللهِ هُمْ يَسْلُكُونَ، أَأَنْتُمْ أَعْظَمُ حِكْمَةً أَمِ الَّذِي صَنَعَ القَمَرَ وَكَانَ أَنْ يَطْلُعُ مِنْ بِئرٍ وَيَغْرُبُ فِي جُبٍّ أُخْرَى وَيَسْتَضِيءُ مِنْهُ ثَلثَةُ فَرَاسِخَ مِنَ الأَرْضِ وَمَحَى اللهُ آثَارَهُ وَرجَّعَهُ إِلَى التُّرَابِ وَأَنْتُمْ سَمِعْتُمْ نَبَأَهُ أَوْحِينَئِذٍ تَسْمَعُونَ، وَكَمْ مِنْ حُكَمَاءَ كَانوُا مِثْلَهُ أَوْ فَوْقَهُ وَمِثْلَكُمْ أَوْ فَوْقَكُمْ وَمِنْهُمْ آمَنُوا وَمِنْهُمْ أَعْرَضُوا وَأَشْرَكُوا وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا هُمْ فِي النَّارِ كَانُوا أَنْ يَدْخُلُونَ، وَالَّذِينَ آمَنُوا هُمْ إِلَى رَحْمَةِ اللهِ كَانُوا أَنْ يَرْجِعُونَ، إِنَّ اللهَ لا يَسْئَلُكُمْ عَنْ صَنَائِعِكُمْ بَلْ عَنْ إِيمَانِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ تُسْئَلُونَ، أَأَنْتُمْ أَعْظَمُ حِكْمَةً أَمِ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَخَلَقَ السَّمَواتِ وَمَا فِيهَا وَالأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا؟ سُبْحَانَ اللهِ مَا مِنْ حَكِيمٍ إِلَّا هُوَ لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ يُعْطِي الحِكْمَةَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ وَيَمْنَعُ الحِكْمَةَ عَمَّنْ يَشَاءُ مِنْ بَرِيَّتِهِ وَإِنَّهُ لَهُوَ المُعْطِي المَانِعُ الكَرِيمُ الحَكِيمُ، وَأَنْتُمْ يَا مَعْشَرَ الحُكَمَاءِ مَا حَضَرْتُمْ عِنْدَنَا لِتَسْمَعُوا نَغَمَاتِ الرُّوحِ وَتَعْرِفُوا مَا أَعْطَانِي اللهُ بِفَضْلِهِ وَإِنَّ هذَا فَاتَ عَنْكُمِ إِنْ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ، وَلَوْ حَضَرْتُمْ بَيْنَ يَدَيْنَا لَعَلَّمْنَاكُمْ مِنْ حِكْمَةٍ الَّتِي تَغْنَوْنَ بِهَا عَنْ دُونِهَا وَمَا حَضَرْتُمْ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَنُهِيتُ عَنْ إِظْهَارِهَا مِنْ بَعْدُ لِمَا نَسَبُونَا بِالسِّحْرِ إِنْ أَنْتُمْ تَسْمَعُونَ وَكَذلِكَ قَالُوا مِنْ قَبْلُ وَقَضَى نَحْبَهُمْ وَهُمْ حِينَئِذٍ فِي النَّارِ يَصْرُخُونَ، وَيَقْضِي نَحْبَ هؤُلاءِ وَهذَا حَتْمٌ مِنْ لَدُنْ عَزِيزٍ قَيُّومٍ، أُوصِيكُمْ فِي آخِرِ القَوْلِ بِأَنْ لا تَتَجَاوَزُوا عَنْ حُدُودِ اللهِ وَلا تَلْتَفِتُوا إِلَى قَواعِدِ النَّاسِ وَعَادَاتِهِمْ لأَنَّهَا لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِيكُمْ بَلْ بِسُنَنِ اللهِ أَنْتُمْ فَانْظُرُونَ، وَمَنْ شاءَ فَلْيَتَّخِذْ هذَا النُّصْحَ لِنَفْسِهِ سَبِيلاً إِلَى اللهِ، فَمَنْ شَاءَ فَلْيَرْجِعْ إِلَى هَواهُ، إِنَّ رَبِّي لَغَنِيٌّ عَنْ كُلِّ مَنْ فِي السَّمواتِ وَالأَرْضِ وَعَنْ كُلِّ مَا هُمْ يَقُولُونَ أَو يَعْمَلُونَ، وَأَخْتِمُ القَوْلَ بِمَا قَالَ اللهُ جَلَّ وَعَزَّ: ﴿لا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا﴾ وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ يَا مَلأَ المُسْلِمِينَ وَالحَمْدُ للّهِ رَبِّ العَالَمِينَ.