Suriy-i-Muluk/Arabic13
أَنْ يَا سَفِيرَ العَجَمِ فِي المَدِينَةِ أَزَعَمْتَ بِأَنَّ الأَمْرَ كَانَ بِيَدِي أَوْ يُبَدَّلُ أَمْرُ اللهِ بِسِجْنِي وَذُلِّي أَوْ بِإِفْقَادِي وَإِفْنَائِي فَبِئْسَ مَا ظَنَنْتَ فِي نَفْسِكَ وَكُنْتَ مِنَ الظَّانِّينَ إِنَّهُ مَا مِنْ إِلهٍ إِلَّا هُوَ يَظْهَرُ أَمْرُهُ وَيَعْلُو بُرْهَانُهُ وَيُثْبِتُ مَا أَرَادَ وَيَرْفَعُهُ إِلَى مَقَامٍ الَّذِي يَنْقَطِعُ عَنْهُ أَيْدِيكَ وَأَيْدِي المُعْرِضِينَ، هَلْ تَظُنُّ بأَنَّكَ تُعْجِزُهُ فِي شَيْءٍ أَوْ تَمْنَعُهُ عَنْ حُكْمِهِ وَسُلْطَانِهِ أَوْ يَقْدِرُ أَنْ يَقُومَ مَعَ أَمْرِهِ كُلُّ مَنْ فِي السَّمواتِ وَالأَرَضِينَ، لا فَوَ نَفْسِهِ الحَقِّ لا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ عَمَّا خُلِقَ إِذًا فَارْجِعْ عنْ ظَنِّكَ إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيْئًا وَكُنْ مِنَ الرَّاجِعِينَ إِلَى اللهِ الَّذِي خَلَقَكَ وَرَزَقَكَ وَجَعَلَكَ سَفِيرَ المُسْلِمينَ، ثُمَّ اعْلَمْ بِأَنَّهُ خَلَقَ كُلَّ مَنْ فِي السَّمواتِ وَالأَرْضِ بِكَلِمَةِ أَمْرِهِ وَمَا خُلِقَ بِحُكْمِهِ كَيْفَ يَقُومُ مَعَهُ فَسُبْحانَ اللهِ عَمَّا أَنْتُمْ تَظُنُّونَ يَا مَلأَ المُبْغِضِينَ، إِنْ كَانَ هذَا الأَمْرُ حَقٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ لَنْ يَقْدِرَ أَحَدٌ أَنْ يَمْنَعَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ عِنْدِهِ يَكْفِيهِ عُلَمَاءُكُمْ وَالَّذِينَ هُمْ اتَّبَعُوا هَواهُمْ وَكَانُوا مِنَ المُعْرِضِينَ، أَمَا سَمِعْتَ مَا قَالَ مُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ مِنْ قَبْلُ وَحَكَى اللهُ عَنْهُ لِنَبِيِّهِ الَّذِي اصْطَفاهُ بَيْنَ خَلْقِهِ وَأَرْسَلَهُ عَلَيْهِمْ وَجَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، قَالَ وَقَوْلُهُ الحَقُّ ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالبَيِّناتِ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ﴾ وَهَذا مَا نَزَّلَ اللهُ عَلَى حَبِيبِهِ فِي كِتَابِهِ الحَكِيمِ، وَأَنْتُمْ مَا سَمِعْتُمْ أَمْرَ اللهِ وَحُكْمَهُ وَمَا اسْتَنْصَحْتُمْ بِنُصْحِ الَّذِي نُزِّلَ فِي الكِتَابِ وَكُنْتُمْ مِنَ الغَافِلينَ، وَكَمْ مِنْ عِبَادٍ قَتَلْتُمُوهُم فِي كُلِّ شُهُورٍ وَسِنِينَ وَكَمْ مِنْ ظُلْمٍ ارْتَكَبْتُمُوهُ فِي أَيَّامِكُمْ وَلَمْ يَرَ شِبْهَها عَيْنُ الإِبْدَاعِ وَلَنْ يُخْبِرَ مِثْلَها أَحَدٌ مِنَ المُؤَرِّخِينَ، وَكَمْ مِنْ رَضِيعٍ بَقِيَ مِنْ غَيْرِ أُمٍّ وَوَالِدٍ وَكَمْ مِنْ أَبٍ قُتِلَ ابْنُهُ مِنْ ظُلْمِكُم يَا مَلأَ الظَّالِمِينَ، وَكَمْ مِنْ أُخْتٍ ضَجَّتْ فِي فِراقِ أَخِيهَا وَكَمْ مِنْ امْرَأَةٍ بَقَتْ بِغَيْرِ زَوْجٍ وَمُعِينٍ، وَارْتَقَيْتُمْ فِي الظُّلْمِ إِلَى مَقَامٍ الَّذِي قَتَلْتُمُ الَّذِي مَا تَحَرَّفَ وَجْهَهُ عَنْ وَجْهِ اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ، فَيَا لَيْتَ قَتَلْتُمُوهُ كَمَا يَقْتُلُ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بَلْ قَتَلْتُمُوهُ بِقِسْمٍ الَّذِي مَا رَأَتْ بِمِثْلِهِ عُيُونُ النَّاسِ وَبَكَتْ عَلَيْهِ السَّمَاءُ وَضَجَّتْ أَفْئِدَةُ المُقَرَّبِينَ، أَما كَانَ ابْنَ نَبِيِّكُمْ وَأَمَا كَانَ نِسْبَتُهُ إِلَى النَّبِيِّ مُشْتَهِرًا بَيْنَكُمْ فَكَيْفَ فَعَلْتُمْ بِهِ مَا لا فَعَلَ أَحَدٌ مِنَ الأَوَّلِينَ، فَوَاللهِ مَا شَهِدَ عَيْنُ الوُجُودِ بِمِثْلِكُمْ تَقْتُلُونَ ابْنَ نَبِيِّكُمْ ثُمَّ تَفْرَحُونَ عَلَى مَقَاعِدِكُمْ وَتَكُونُنَّ مِنَ الفَرِحِينَ، وَتَلْعَنُونَ الَّذِينَ هُمْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ وَفَعَلُوا بِمِثْلِ مَا فَعَلْتُمْ ثُمَّ عَنْ أَنْفُسِكُمْ لَمِنَ الغَافِلِينَ، إِذًا فَأَنْصِفْ فِي نَفْسِك إِنَّ الَّذِينَ تَسُبُّونَهُمْ وَتَلْعَنُونَهُمْ هَلْ فَعَلُوا بِغَيْرِ مَا فَعَلْتُمْ، أُولئِكَ قَتَلُوا ابْنَ نَبِيِّهِمْ كَمَا قَتَلْتُمْ ابْنَ نَبِيِّكُمْ وَجَرَى مِنْكُمْ مَا جَرَى مِنْهُمْ فَمَا الفَرْقُ بَيْنَكُمْ يَا مَلأَ المُفْسِدينَ، فَلَمَّا قَتَلْتُمُوهُ قَامَ أَحَدٌ مِنْ أَحِبَّائِهِ عَلَى القِصَاصِ وَلَنْ يَعْرِفَهُ أَحَدٌ وَاخْتَفَى أَمْرُهُ عَنْ كُلِّ ذِي رُوحٍ وَقُضِيَ مِنْهُ مَا أُمْضِيَ إِذاً يَنْبَغِي بِأَنْ لا تَلُومُوا أَحَدَاً فِي ذلِكَ بَلْ لُومُوا أَنْفُسَكُمْ فِيمَا فَعَلْتُمْ إِنْ أَنْتُمْ مِنَ المُنْصِفِينَ، هَلْ فَعَلَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ بِمِثْلِ مَا فَعَلتُمْ لا فَوَرَبِّ العَالَمِينَ، كُلُّ المُلُوكِ وَالسَّلاطِينِ يُوَقِّرُونَ ذُرِّيَّةَ نَبِيِّهِمْ وَرَسُولِهِمْ إِنْ أَنْتُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ وَأَنْتُمْ فَعَلْتُمْ ما لا فَعَلَ أَحَدٌ وَارْتَكَبْتُمْ مَا احْتَرَقَتْ عَنْهُ أَكْبَادُ العَارِفِينَ، وَمَعَ ذلِكَ ما تَنَبَّهْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ وَما اسْتَشْعَرْتُمْ مِنْ فِعْلِكُمْ إِلَى أَنْ قُمْتُمْ عَلَيْنا مِنْ دُونِ ذَنْبٍ وَلا جُرْمٍ مُبِينٍ، أَما تَخَافُونَ عَنِ اللهِ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَسَوَّاكُمْ وَبَلَغَ أَشُدَّكُمْ وَجَعَلَكُمْ مِنَ المُسْلِمِينَ، إِلَى مَتَى لا تَتَنَبَّهُونَ فِي أَنْفُسِكُمْ وَلا تَتَعقَّلُونَ فِي ذَواتِكُمْ وَلا تَقُومُونَ عَنْ نَوْمِكُمْ وَغَفْلَتِكُمْ وَما تَكُونُنَّ مِنَ المُتَنَبِّهِينَ، وَأَنْتَ فَكِّرْ فِي نَفْسِكَ مَعَ كُلِّ ما فَعَلْتُمْ وَعَمِلْتُمْ هَلِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تُخْمِدُوا نارَ اللهِ أَوْ تُطْفِئُوا أَنْوَارَ تَجَلِّيهِ الَّتِي اسْتَضاءَتْ مِنْهَا أَهْلُ لُجَجِ البَقَاءِ وَاسْتَجْذَبَتْ عَنْهَا أَفْئِدَةُ المُوَحِّدِينَ، أَمَا سَمِعْتُمْ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْديكُمْ وَتَقْدِيرهُ فَوْقَ تَدْبِيرِكُمْ وَإِنَّهُ لَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَالغَالِبُ عَلَى أَمْرِهِ يَفْعَلُ ما يَشَاءُ وَلا يُسْئَلُ عَمَّا شَاءَ، وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ وَهُوَ المُقْتَدِرُ القَدِيرُ، وَإِنْ تُوقِنُوا بِذلِكَ لِمَ لا تَنْتَهُونَ أَعْمَالَكُمْ وَلا تَكُونُنَّ مِنَ السَّاكِنِينَ، وَفِي كُلِّ يَوْمٍ تُجَدِّدُونَ ظُلْمَكُمْ كَمَا قُمْتُمْ عَلَيَّ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ بَعْدَ الَّذِي مَا دَخَلَتْ نَفْسِي فِي هذِهِ الأُمُورِ وَمَا كُنْتُ مُخَالِفَاً لَكُمْ وَلا مُعَارِضَاً لأَمْرِكُمْ إِلَى أَنْ جَعَلْتُمُونِي مَسْجُوناً فِي هذِهِ الأَرْضِ البَعِيدِ، وَلكِنْ فَاعْلَمْ ثُمَّ أَيْقِنْ بِأَنَّ ذلِكَ لَنْ يُبَدِّلَ أَمْرَ اللهِ وَسُنَنَهُ كَمَا لَمْ يُبَدِّلْ مِنْ قَبْلُ عَنْ كُلِّ ما اكْتَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَيْدِي المُشْرِكِينَ، ثُمَّ اعْلَمُوا يا مَلأَ الأَعْجَامِ بِأَنَّكُمْ لَو تَقْتُلُونَنِي يَقُومُ للهِ أَحَدٌ مَقامِي وَهذِهِ مِنْ سُنَّةِ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدُوا لِسُنَّتِهِ لا مِنْ تَبْدِيلٍ وَلا مِنْ تَحْويلٍ، أَتُرِيدُونَ أَنْ تُطْفِئُوا نُورَ اللهِ فِي أَرْضِهِ أَبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ أَنْتُمْ تَكرَهُوهُ فِي أَنْفُسِكُمْ وَتَكُوُنُنَّ مِنَ الكَارِهِينَ، وَأَنْتَ يَا سَفِيرُ تَفَكَّرْ فِي نَفْسِكَ أَقَلَّ مِنْ آنٍ ثُمَّ أَنْصِفْ فِي ذَاتِكَ بِأَيِّ جُرْمٍ افْتَرَيْتَ عَلَيْنا عِنْدَ هؤُلاءِ الوُكَلاءِ وَاتَّبَعْتَ هَواكَ وَأَعْرَضْتَ عَنِ الصِّدْقِ وَكُنْتَ مِنَ المُفْتَرِينَ، بَعْدَ الَّذِي مَا عَاشَرْتَنِي وَمَا عَاشَرْتُكَ وَمَا رَأَيْتَنِي إِلَّا فِي بَيْتِ أَبِيكَ أَيَّامَ الَّتِي فِيها يُذْكَرُ مَصَائِبُ الحُسَيْنِ وَفِي تِلْكَ المَجَالِسِ لَمْ يَجِدِ الفُرْصَةَ أَحَدٌ لِيَفْتَحَ اللِّسَانَ وَيَشْتَغِلَ بِالبَيانِ حَتَّى يُعْرَفَ مَطَالِبُهُ أَوْ عَقَائِدُهُ وَأَنْتَ تُصَدِّقُنِي فِي ذلِكَ لَوْ تَكُونُ مِنَ الصَّادِقِينَ، وَفِي غَيْر تِلْكَ المَجَالِسِ مَا دَخَلْتُ لِتَرَانِي أَنْتَ أَوْ يَرَانِي غَيْرُكَ مَعَ ذلِكَ كَيْفَ أَفْتَيْتَ عَلَيَّ مَا لا سَمِعْتَ مِنِّي، أَمَا سَمِعْتَ ما قَالَ عزَّ وَجَلَّ ﴿لا تقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا﴾ وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبِّهِمْ بِالغَدَاةِ وَالعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَأَنْتَ خَالَفْتَ حُكْمَ الكِتَابِ بَعْدَ الَّذِي حَسِبْتَ نَفْسَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ، وَمَعَ ذلِكَ فَوَاللهِ لَمْ يَكُنْ فِي قَلْبِي بُغْضُكَ وَلا بُغْضُ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ وَلَوْ وَرَدْتُمْ عَلَيْنَا مَا لا يُطْيقُهُ أَحَدٌ مِنَ المُوَحِّدِينَ، وَما أَمْرِي إِلَّا بِاللهِ وَتَوَكُّلِي إِلَّا عَلَيْهِ فَسَوْفَ يَمْضِي أَيَّامُكُمْ وَأَيَّامُ الَّذِينَ هُمْ كَانُوا اليَوْمَ عَلَى غُرورٍ مُبِينٍ، وَتَجْتَمِعُونَ فِي مَحْضَرِ اللهِ وَتُسْئَلُونَ عَمَّا اكْتَسَبتُمْ بِأَيْدِيكُمْ وَتُجْزَوْنَ بِها فَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ، فَوَاللهِ لَوْ تَطَّلِعُ بِمَا فَعَلْتَ لَتَبْكِي عَلَى نَفْسِكَ وَتَفِرُّ إِلَى اللهِ وَتَضُجُّ فِي أَيَّامِكَ إِلَى أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكَ وَإِنَّهُ لَجَوَّادٌ كَرِيمٌ، وَلكِنْ أَنْتَ لَنْ تُوَفَّقَ بِذلِكَ لِمَا اشْتَغَلْتَ بِذاتِكَ وَنَفْسِكَ وَجِسْمِكَ إِلَى زَخارِفِ الدُّنْيا إِلَى أَنْ يُفَارِقَ الرُّوُحُ عَنْكَ إِذاً تَعْرِفُ مَا أَلْقَيْنَاكَ وَتَجِدُ أَعْمالَكَ فِي كِتَابِ الَّذِي مَا تُرِكَ فِيهِ ذَرَّةٌ مِنْ أَعْمالِ الخَلائِقِ أَجْمَعِينَ، إِذاً فَاسْتَنْصِحْ بِنُصْحِي ثُمَّ اسْمَعْ قَوْلِي بِسَمْعِ فُؤَادِكَ وَلا تَغْفَلْ عَنْ كَلِمَاتِي وَلا تَكُنْ مِنَ المُعْرِضِينَ، وَلا تَفْتَخِرْ بِمَا أُوتِيتَ فَانْظُرْ إِلَى ما نُزِّلَ فِي كِتَابِ اللهِ المُهَيْمِنِ العَزِيزِ، فَلَمَّا نَسَوْا عَمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ كَمَا فُتِحَ عَلَيْكَ وَعَلَى أَمْثالِكَ أَبْوابُ الدُّنْيا وَزُخْرُفُها، إِذاً فَانْتَظِرْ ما نُزِّلَ فِي آخِرِ هذِهِ الآيَةِ المُبارَكَةِ وَهذَا وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ مِنْ مُقْتَدِرٍ حَكِيمٍ، وَلَمْ أَدْرِ بِأَيِّ صِراطٍ أَنْتُمْ تُقِيمُونَ وَعَلَيْهِ تَمْشُونَ يا مَلأَ المُبْغِضِينَ، إِنَّا نَدْعُوكُمْ إِلَى اللهِ وَنُذَكِّرُكُمْ بِأَيَّامِهِ وَنُبَشِّرُكُمْ بِلِقَائِهِ وَنُقَرِّبُكُمْ إِلَيْهِ وَنُلْقِيكُمْ مِنْ بَدايِعِ حِكْمَتِهِ وَأَنْتُمْ تَطْرُدُونَنا وَتُكَفِّرُونَنا بِما صَفَتْ لَكُمْ أَلْسُنَتُكُم الكَذِبَةُ وَتَكُوُنُنَّ مِنَ المُدْبِرينَ، وَإِذا أَظْهَرْنا بَيْنَكُمْ ما أَعْطانَا اللهُ بِجُودِهِ تَقُولُونَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ كَما قَالُوا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ مِنْ قَبْلُ إِنْ أَنْتُمْ مِنَ الشَّاعِرينَ، وَلِذا مَنَعْتُمْ أَنْفُسَكُمْ عَنْ فَيْضِ اللهِ وَفَضْلِهِ وَلَنْ تَجِدُوهُ مِنْ بَعْدُ إِلَى أَنْ يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ وَهُو أَحْكَمُ الحَاكِمِينَ، وَمِنْكُمْ مَنْ قالَ إِنَّ هذا هُوَ الَّذِي ادَّعَى فِي نَفْسِهِ ما ادَّعَى فَوَاللهِ هذا لَبُهْتانٌ عَظِيمٌ، وَما أَنَا إِلَّا عَبْدٌ آمَنْتُ بِاللهِ وَآياتِهِ وَرُسُلِهِ وَمَلئِكَتِهِ وَيَشْهَدُ حِينَئِذٍ لِسانِي وَقَلْبِي وَظاهِرِي وَباطِنِي بِأَنَّهُ هُوَ اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَما سِواهُ مَخْلُوقٌ بِأَمْرِهِ وَمُنْجَعِلٌ بِإِرادَتِهِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الخالِقُ الباعِثُ المُحْيِي المُمِيتُ، وَلكِنْ إِنِّي حَدَّثْتُ نِعْمَةَ الَّتِي أَنْعَمَنِي اللهُ بِجُودِهِ وَإِنْ كَانَ هذا جُرْمِي فأَنا أَوَّلُ المُجْرِمِينَ، وَأَكُونُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ مَعَ أَهْلِي فَافْعَلُوا ما شِئْتُمْ وَلا تَكُونُنَّ مِنَ الصَّابِرينَ، لَعَلَّ أَرْجِعُ إِلَى اللهِ رَبِّي فِي مَقامِ الَّذِي يَخْلُو فِيهِ عَنْ وُجُوهِكُمْ وَهذا مُنْتَهَى أَمَلِي وَبُغْيَتِي وَكَفَى بِاللهِ عَلَى نَفْسِي لَعَلِيمٌ وَخَبِيرٌ، أَنْ يَا سَفِيرُ فَاجْعَلْ مَحْضَرَكَ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ إِنَّكَ إِنْ لَنْ تَراهُ إِنَّهُ يَراكَ ثُمَّ أَنْصِفْ فِي أَمْرِنَا بِأَيِّ جُرْمٍ قُمْتَ عَلَيْنا وَافْتَرَيْتَنا بَيْنَ النَّاسِ إِنْ تَكُونُ مِنَ المُنْصِفينَ، قَدْ خَرَجْتُ مِنَ الطِّهْرانِ بِأَمْرِ المَلِكِ وَتَوَجَّهْنا إِلَى العِرَاقِ بِإِذْنِهِ إِلَى أَنْ وَرَدْنا فِيهِ وَكُنَّا مِنَ الوَارِدينَ، إِنْ كُنْتُ مُقَصِّراً لِمَ أُطْلِقْنَا وَإِنْ لَمْ أَكُنْ مُقَصِّراً لِمَ أَوْرَدْتُمْ عَلَيْنا مَا لا أَوْرَدَ أَحَدٌ إِلَى أَحَدٍ مِنَ المُسْلِمِينَ، وَبَعْدَ وَرُودِي فِي العِرَاقِ هَلْ ظَهَرَ مِنِّي ما يَفْسُدُ بِهِ أَمْرُ الدَّوْلَةِ وَهَلْ شَهِدَ أَحَدٌ مِنَّا مُغايِراً فَاسْئَلْ أَهْلَهَا لِتَكُونَ مِنَ المُسْتَبْصِرينَ، وَكُنَّا فِيهِ إِحْدَى عَشَرِ سَنِينَ إِلَى أَنْ جَاءَ سَفِيرُكُمُ الَّذِي لَنْ يُحِبَّ القَلَمُ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى اسْمِهِ وَكَانَ أَنْ يَشْرَبُ الخَمْرَ وَيَرْتَكِبُ البَغْيَ وَالفَحْشَاءَ وَفَسَدَ فِي نَفْسِهِ وَأَفْسَدَ العِراقَ وَيَشْهَدُ بِذلِكَ أَكْثَرُ أَهْلِ الزَّوْرَاءِ لَوْ تَسْئَلُ عَنْهُمْ وَتَكُوُنُ مِنَ السَّائِلِينَ، وَكَانَ أَنْ يَأْخُذُ أَمْوالَ النَّاسِ بِالبَاطِلِ وَتَرَكَ كُلَّ ما أَمَرَهُ اللهُ بِهِ وَارْتَكَبَ كُلَّ ما نَهاهُ عَنْهُ إِلَى أَنْ قامَ عَلَيْنا بِمَا اتَّبَعَ نَفْسَهُ وَهَواهُ وَسَلَكَ مَنْهَجَ الظَّالِمِينَ، وَكَتَبَ إِلَيْكَ ما كَتَبَ فِي حَقِّنا وَأَنْتَ قَبِلْتَ مِنْهُ وَاتَّبَعْتَ هَواهُ مِنْ دُونِ بَيِّنَةٍ وَلا بُرْهَانٍ مُبِينٍ، وَما تَبَيَّنْتَ وَما تَفَحَّصْتَ وَما تَجَسَّسْتَ لِيَظْهَرَ لَكَ الصِّدْقُ عَنِ الكَذِبِ وَالحَقُّ عَنِ البَاطِلِ وَتَكُونَ عَلَى بَصِيرةٍ مُنِيرَةٍ فَاسْئَلْ عَنْهُ عَنِ السُّفَرَاءِ الَّذِينَ كَانُوا فِي العِرَاقِ وَعَنْ وَرَائِهِمْ عَنْ وَالِي البَلْدَةِ وَمُشِيرِها لِيُحَصْحِصَ لَكَ الحَقُّ وَتَكُونَ مِنَ المُطَّلِعِينَ، فَوَاللهِ ما خَالَفْناهُ فِي شَيْءٍ وَلا غَيْرَهُ وَاتَّبَعْنا أَحْكَامَ اللهِ فِي كُلِّ شَأْنٍ وَمَا كُنَّا مِنَ المُفْسِدِينَ، وَهُوَ بِنَفْسِهِ يَشْهَدُ بِذلِكَ وَلكِنْ يُرِيدُ أَنْ يِأْخُذَنا وَيُرْجِعَنا إِلَى العَجَمِ لارْتِفَاعِ اسْمِهِ كَمَا أَنْتَ ارْتَكَبْتَ هذا الذّنبَ لأَجْلِ ذلِكَ وَأَنْتَ وَهُوَ فِي حَدٍّ سَوَاءٍ عِنْدَ اللهِ المَلِكِ العَلِيمِ، وَلَمْ يَكُنْ هذَا الذِّكْرُ مِنِّي إِلَيْكَ لِتَكْشِفَ عَنِّي ضُرِّي أَوْ تَوَسَّطَ لِي عِنْدَ أَحَدٍ لا فَوَرَبِّ العَالَمِينَ، وَلكِنْ فَصَّلْنَا لَكَ الأُمُورَ لَعَلَّ تَتَنَبَّهُ فِي فِعْلِكَ وَلا تَرِدُ عَلَى أَحَدٍ مِثْلَ مَا وَرَّدْتَ عَلَيْنَا وَتَكُونُ مِنَ التَّائِبِينَ إِلَى اللهِ الَّذِي خَلَقَكَ وَكُلَّ شَيْءٍ وَتَكُونُ عَلَى بَصِيرةٍ مِنْ بَعْدُ وَهذا خَيْرٌ لَكَ عَمَّا عِنْدَكَ وَعَنْ سِفَارَتِكَ فِي هذِهِ الأَيَّامِ القَلِيلِ، إِيَّاكَ أَنْ لا تُغْمِضْ عَيْنَاكَ فِي مَوَاقِعِ الإِنْصَافِ وَتَوَجَّهْ إِلَى شَطْرِ العَدْلِ بِقَلْبِكَ وَلا تُبَدِّلْ أَمْرَ اللهِ وَكُنْ بِمَا نُزِّلَ فِي الكِتَابِ لَمِنَ النَّاظِرِينَ، أَنْ لا تَتَّبِعْ هَواكَ فِي أَمْرٍ وَاتَّبِعْ حُكْمَ اللهِ رَبِّكَ المَنَّانِ القَدِيمِ، سَتَرْجِعُ إِلَى التُّرَابِ وَلَنْ يَبْقَى نَفْسُكَ وَلا مَا تُسَرُّ بِهِ فِي أَيَّامِكَ وَهذا مَا ظَهَرَ مِنْ لِسَانِ صِدْقٍ مَنِيعٍ، أَمَا تَذَكَّرْتَ بِذِكْرِ اللهِ مِنْ قَبْلُ لِتَكُونَ مِنَ المُتَذَكِّرِينَ، قَالَ وَقَوْلُهُ الحَقُّ "مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُم وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى" وَهذَا مَا قَدَّرَهُ اللهُ لِمَنْ عَلَى الأَرْضِ مِنْ كُلِّ عَزِيزٍ وَذَلِيلٍ، وَمَنْ خُلِقَ مِنَ التُّرابِ وَيُعِيدُ فِيهَا وَيُخْرَجُ مِنْها لا يَنْبَغِي لَهُ بِأَنْ يَسْتَكْبِرَ عَلَى اللهِ وَأَوْلِيَائِهِ وَيَفْتَخِرَ عَلَيْهِمْ وَيَكُونَ عَلَى غُرُورٍ عَظِيمٍ بَلْ يَنْبَغِي لَكَ وَلأَمْثَالِكَ بِأَنْ تَبْخَعُوا لِمَظَاهِرِ التَّوْحِيدِ وَتَخْفِضُوا جَنَاحَ الذُّلِّ لِلْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ هُمْ افْتَقَرُوا فِي اللهِ وَانْقَطَعُوا عَنْ كُلِّ مَا تَشْتَغِلُ بِهِ أَنْفُسُ العِبَادِ وَيُبْعِدُهُمْ عَنْ صِراطِ اللهِ العَزِيزِ الحَمِيدِ، وَكَذلِكَ نُلْقِي عَلَيْكُمْ مَا يَنْفَعُكُمْ وَيَنْفَعُ الَّذِينَ هُمْ كَانُوا عَلَى رَبِّهِمْ لَمِنَ المُتَوَكِّلِينَ، أَنْ يَا مَشَايِخَ المَدِينَةِ قَدْ جِئْنَاكُمْ بِالحَقِّ وَكُنْتُمْ فِي غَفْلَةٍ عَنْ ذلِكَ كَأَنَّكُمْ فِي غَشَواتِ أَنْفُسِكُمْ مَيِّتُونَ، وَمَا حَضَرْتُمْ بَيْنَ يَدَيْنا بَعْدَ الَّذِي كَانَ هذا خَيْرٌ لَكُمْ عَنْ كُلِّ مَا أَنْتُمْ بِهِ تَعْمَلُونَ، فَاعْلَمُوا بِأَنَّ شَمْسَ الوِلايَةِ قَدْ أَشْرَقَتْ بِالْحَقِّ وَأَنْتُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ، وَأَنَّ قَمَرَ الهِدَايَةِ قَدِ ارْتَفَعَ فِي قُطْبِ السَّمَاءِ وَأَنْتُمْ عَنْهُ مُحْتَجِبُونَ، وَنَجْمَ العِنَايَةِ قَدْ بَزَغَ عَنْ أُفُقِ القُدْسِ وَأَنْتُمْ عَنْهُ مُبْعَدُونَ، فَاعْلَمُوا بِأَنَّ مَشَايِخَكُمُ الَّذِينَ أَنْتُمْ تَنْسِبُونَ أَنْفُسَكُمْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ بِهِمْ تَفْتَخِرُونَ وَتَذْكُرُونَهُمْ بِالَّليْلِ وَالنَّهَارِ ثُمَّ بِآثَارِهِمْ تَهْتَدُونَ لَوْ كَانُوا فِي تِلْكَ الأَيَّامِ لَيَطُوفُنَّ حَوْلِي وَلَنْ يُفَارِقُونِي فِي كُلِّ عَشِيٍّ وَبُكُورٍ، وَأَنْتُمْ مَا تَوَجَّهْتُمْ بِوَجْهِي فِي أَقَلَّ مِنْ آنٍ وَاسْتَكْبَرْتُمْ أَو غَفَلْتُمْ عَنْ هذا المَظْلُومِ الّذي ابْتُلِيَ بَيْنَ أَيْدِي النَّاسِ بِحَيْثُ يَفْعَلُونَ بِهِ مَا يَشَاؤُونَ وَمَا تَفَحَّصْتُمْ عَنْ حَالِي وَمَا اسْتَفْسَرْتُمْ عَمَّا وَرَدَ عَلَيَّ وَبِذلِكَ مَنَعْتُمْ أَنْفُسَكمْ عَنْ أَرْيَاحِ القُدْسِ وَنَسَمَاتِ الفَضْلِ عَنْ هذا الشَّطْرِ المُنِيرِ المَشْهُودِ، كَأَنَّكُمْ تَمَسَّكْتُمْ بِالظَّاهِرِ وَنَسِيْتُمْ حُكْمَ البَاطِنِ وَتَقُولُونَ بِالقَوْلِ مَا لا تَفْعَلُونَ، وَتُحِبُّونَ الأَسْمَاءَ كَأَنَّكُمْ اعْتَكَفْتُمْ عَلَيْها وَلِذَا تَذْكُرُونَ أَسْمَاءَ مَشَايِخِكُمْ وَلَوْ يَأْتِيكُمْ أَحَدٌ مِثْلُهُمْ أَوْ فَوْقَهُمْ إِذَاً أَنْتُمْ عَنْهُ تَفِرُّونَ، وَجَعَلْتُمْ بِأَسْمَائِهِمْ لأَنْفُسِكُمْ افْتِخَارَاً وَمَنَاصِبَاً ثُمَّ بِهَا تَعِيشُونَ وَتَتَنَعَّمُونَ، وَلَوْ يَأْتِيكُمْ مَشَايِخُكُمْ بِأَجْمَعِهِمْ لا تُخَلُّونَ أَيْدِيكُمْ عَنْ رِيَاسَاتِكُمْ وَإِلَيْهِمْ لا تُقْبِلُونَ وَلا تَتَوَجَّهُونَ، وَإِنَّا وَجَدْنَاكُمْ كَمَا وَجَدْنَا أَكْثَرَ النَّاسِ عَبَدَةَ الأَسْمَاءِ يَذْكُرُونَهَا فِي أَيَّامِهِمْ وَبِهَا يَشْتَغِلُونَ، وَإِذَا ظَهَرَ مُسَمَّيَاتُها إِذَا هُمْ يُعْرِضُونَ وَعَلَى أَعْقَابِهِمْ يَنْقَلِبُونَ، كَذلِكَ عَرَفْنَاكُمْ وَأَحْصَيْنَا أَعْمَالَكُمْ وَأَشْهَدْنَا كُلَّمَا أَنْتُمْ اليَوْمَ بِهِ تَعْمَلْونَ، فَاعْلَمُوا بِأَنَّ اللهَ لَنْ يَقْبَلَ اليَوْمَ مِنْكُمْ فِكْرَكُمْ وَلا ذِكْرَكُمْ وَلا تَوَجُّهَكُم وَلا خَتْمَكُمْ وَلا مُرَاقَبَتَكُمْ إِلَّا بِأَنْ تُجَدِّدُوا عِنْدَ هذَا العَبْدِ إِنْ أَنْتُمْ تَشْعُرُونَ، تَاللهِ قَدْ غُرِسَتْ شَجَرَةُ الوِلايَةِ وَفُصِّلَتْ نُقْطَةُ العِلْمِيَّةِ وَظَهَرَتْ وِلايَةُ اللهِ المُهَيْمِنِ القَيُّومِ، اتَّقُوا اللهَ وَلا تَتَبِّعُوا هَواكُمْ وَاتَّبِعُوا حُكْمَ اللهِ فِي أَيَّامِكُمْ وَجَدِّدُوا مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ آدَابِ الطَّرِيقِ لِتَهْتَدُوا بأَنْوَارِ الهِدَايَةِ وَتَكُونُنَّ مِنَ الَّذِينَ هُمْ إِلَى مَنَاهِجِ الحَقِّ يُسْرَعُونَ.