Suriy-i-Muluk/Arabic12
أَنْ يَا أَيُّهَا السُّلْطَانُ اسْمَعْ قَوْلَ مَنْ يَنْطِقُ بِالحَقِّ وَلا يُرِيدُ مِنْكَ جَزَاءً عَمَّا أَعْطَاكَ اللهُ وَكَانَ عَلَى قِسْطَاسِ حَقٍّ مُسْتَقِيمٍ، وَيَدْعُوكَ إِلَى اللهِ رَبِّكَ وَيَهْدِيكَ سُبُلَ الرُّشْدِ وَالفَلاحِ لِتَكُونَ مِنَ المُفْلِحِينَ، إِيَّاكَ يَا أَيُّهَا المَلِكُ لا تَجْمَعْ فِي حَوْلِكَ مِنْ هؤُلاءِ الوُكَلاءِ الّذِينَ لا يَتَّبِعُونَ إِلَّا هَواهُمْ وَنَبَذُوا أَمَانَاتِهِمْ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَكَانُوا عَلَى خِيَانَةٍ مُبِينٍ، فَأَحْسِنْ عَلَى العِبَادِ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ لَكَ وَلا تَدَعِ النَّاسَ وَأُمُورَهُمْ بَيْنَ يَدَيْ هؤُلاءِ، اتَّقِ اللهَ وَكُنْ مِنَ المُتَّقِينَ، فَاجْتَمِعْ مِنَ الوُكَلاءِ الّذِينَ تَجِدُ مِنْهُمْ رَوَايِحَ الإِيمَانِ وَالعَدْلِ ثُمَّ شَاوِرْهُمْ فِي الأُمُورِ وَخُذْ أَحْسَنَهَا وَكُنْ مِنَ المُحْسِنِينَ، فَاعْلَمْ وَأَيْقِنْ بِأَنَّ الّذِي لَنْ تَجِدَ عِنْدَهُ الدِّيَانَةَ لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ الأَمَانَةُ وَالصِّدْقُ وَإِنَّ هذا لَحَقٌّ يَقِينٌ، وَمَنْ خَانَ اللهَ يَخَانُ السُّلْطَانَ وَلَنْ يَحْتَرِزَ عَنْ شَيْءٍ وَلَنْ يَتَّقِيَ فِي أُمُورِ النَّاسِ وَمَا كَانَ مِنَ المُتَّقِينَ، إِيَّاكَ أَنْ لا تَدَعْ زِمَامَ الأُمُورِ عَنْ كَفِّكَ وَلا تَطْمَئِنَّ بِهِمْ وَلا تَكُنْ مِنَ الغَافِلِينَ، وَإِنَّ الّذينَ تَجِدُ قُلُوبَهُمْ إِلَى غَيْرِكَ فَاحْتَرِزْ عَنْهُمْ وَلا تَأْمُنْهُمْ عَلَى أَمْرِكَ وَأُمُورِ المُسْلِمِينَ، وَلا تَجْعَلِ الذِّئْبَ رَاعِيَ أَغْنَامِ اللهِ وَلا تَدَعْ مُحِبِّيهِ تَحْتَ أَيْدِي المُبْغِضِينَ، إِنَّ الذّينَ يَخَانُونَ الله فِي أَمْرِهِ لَنْ تَطْمَعَ مِنْهُمُ الأَمَانةَ وَلا الدِّيَانَةَ وَتَجَنَّبْ عَنْهُمْ وَكُنْ فِي حِفْظٍ عَظِيمٍ، لِئَلاَّ يَرِدَ عَلَيْكَ مَكْرُهُمْ وَضُرُّهُمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ ثُمَّ أَقْبِلْ إِلَى اللهِ رَبِّكَ العَزِيزِ الكَرِيمِ، مَنْ كَانَ للهِ كَانَ اللهُ لَهُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ يَحْرُسُهُ عَنْ كُلِّ مَا يَضُرُّهُ وَعَنْ شَرِّ كُلِّ مَكَّارٍ لَئِيمٍ، وَإِنَّكَ لَوْ تَسمَعُ قَوْلِي وَتَسْتَنْصِحُ بِنُصْحِي يَرْفَعُكَ اللهُ إِلَى مَقَامٍ الّذي يَنْقَطِعُ عَنْكَ أَيْدِي كُلِّ مَنْ علَى الأَرْضِ أَجْمَعِينَ، أَنْ يَا مَلِكُ اتَّبِعْ سُنَنَ اللهِ فِي نَفْسِكَ وَبِأَرْكَانِكَ وَلا تَتَّبِعْ سُنَنَ الظَّالِمِينَ، خُذْ زِمَامَ أَمْرِكَ فِي كَفِّكَ وَقَبْضَةِ اقْتِدَارِكَ ثُمَّ اسْتَفْسِرْ عَنْ كُلِّ الأُمُورِ بِنَفْسِكَ وَلا تَغْفَلْ عَنْ شَيْءٍ وَإِنَّ فِي ذلِكَ لَخَيْرٌ عَظِيمٌ، أَنِ اشْكُرِ اللهَ رَبَّكَ بِمَا اصْطَفَاكَ بَيْنَ بَرِيَّتِهِ وَجَعَلَكَ سُلْطَانًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَيَنْبَغِي لَكَ بِأَنْ تَعْرِفَ قَدْرَ مَا وَهَبَكَ اللهُ مِنْ بَدَايِعِ جُودِهِ وَإِحْسَانِهِ وَتَشْكُرَهُ فِي كُلِّ حِينٍ، وَشُكْرُكَ رَبَّكَ هُوَ حُبُّكَ أَحِبَّاءَهُ وَحِفْظُكَ عِبَادَهُ وَصِيَانَتُهُمْ عَنْ هَؤُلاءِ الخَائِنِينَ، لئَلاَّ يَظْلِمَهُم أَحَدٌ ثُمَّ إِجْرَاءُ حُكْمِ اللهِ بَيْنَهُمْ لِتَكُونَ فِي شَرْعِ اللهِ لَمِنَ الرَّاسِخِينَ، وَإِنَّكَ لَوْ تُجْرِي أَنْهَارَ العَدْلِ بَيْنَ رَعْيَّتِكَ لَيَنْصُرُكَ اللهُ بِجُنُودِ الغَيْبِ وَالشِّهَادَةِ وَيُؤَيِّدُكَ عَلَى أَمْرِكَ وَإِنَّهُ مَا مِنْ إِلهٍ إِلَّا هُوَ لَهُ الأَمْرُ وَالخَلْقُ وَإِنَّ إِلَيْهِ يَرْجِعُ عَمَلُ المُخْلِصِينَ، وَلا تَطْمَئِنَّ بِخَزَائِنِكَ فَاطْمَئِنَّ بِفَضْلِ اللهِ رَبِّكَ ثُمَّ تَوَكَّلْ عَلَيْهِ فِي أُمُورِكَ وَكُنْ مِنَ المُتَوَكِّلِينَ، فَاسْتَعِنْ بِاللهِ ثُمَّ اسْتَغْنِ مِنْ غَنَائِهِ وَعِنْدَهُ خَزَائِنُ السّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يُعْطِي مَنْ يَشَاءُ وَيَمْنَعُ عَمَّنْ يَشَاءُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ، كُلٌّ فُقَرَاءُ لَدَى بَابِ رَحْمَتِهِ وَضُعَفَاءُ لَدَى ظُهُورِ سُلْطَانِهِ وَكُلٌّ مِنْ جُودِهِ لَمِنَ السَّائِلِينَ، وَلا تُفَرِّطْ فِي الأُمُورِ فَاعْمَلْ بَيْنَ خُدَّامِكَ بِالعَدْلِ ثُمَّ أَنْفِقْ عَلَيْهِمْ عَلَى قَدْرِ مَا يَحْتاجُونَ بِهِ لا عَلَى قَدْرٍ الّذي يَكْنِزُونَهُ وَيجْعَلُونَهُ زِينَةً لأَنْفُسِهِمْ وَبُيوتِهِمْ وَيصْرِفُونَهُ فِي أُمُورِ الَّتِي لَنْ يحْتاجُوا بِهَا وَيكُونُنَّ مِنَ المُسْرِفِينَ، فَاعْدِلْ بَيْنَهُمْ عَلَى الخَطِّ الاسْتِوَاءِ بِحَيْثُ لَنْ يَحْتَاجَ بَعْضُهُمْ وَلَنْ يَكْنِزَ بَعْضُهُمْ وَإِنَّ هَذا لَعَدْلٌ مُبِينٌ، وَلا تَجَعَلِ الأَعِزَّةَ تَحْتَ أَيْدِي الأَذِلَّةِ وَلا تُسَلِّطِ الأَدْنَى عَلَى الأَعْلَى كَمَا شَهِدْنا فِي المَدِينَةِ وَكُنَّا مِنَ الشَّاهِدينَ، وَإِنَّا لَمَّا وَرَدْنَا المَدِينَةَ وَجَدنَا بَعْضَهُمْ فِي سَعَةٍ وَغَنَاءٍ عَظِيمٍ وَبَعْضَهُمْ فِي ذِلَّةٍ وَفَقْرٍ مُبِينٍ، وَهذا لا ينْبَغِي لِسَلْطَنَتِكَ وَلا يَلِيقُ لِشَأْنِكَ اسْمَعْ نُصْحِي ثُمَّ اعْدِلْ بَيْنَ الخَلْقِ لِيَرْفَعَ اللهُ اسْمَكَ بِالعَدْلِ بَيْنَ العَالَمِينَ، إِيَّاكَ أَنْ لا تُعَمِّرْ هؤُلاءِ الوُكَلاءَ وَلا تُخَرِّبِ الرَّعِيَّةَ اتَّقِ مِنْ ضَجِيجِ الفُقَرَاءِ وَالأَبْرَارِ فِي الأَسْحَارِ وَكُنْ لَهُمْ كَسُلْطَانٍ شَفِيقٍ، لأَنّهُمْ كَنْزُكَ فِي الأرضِ فَينْبَغِي لِحَضْرَتِكَ بِأَنْ تَحْفَظَ كَنْزَكَ مِنْ أَيْدِي هؤُلاءِ السَّارِقِينَ، ثُمَّ تَجَسَّسْ مِنْ أُمُورِهِمْ وَأَحْوالِهِمْ فِي كُلِّ حَوْلٍ بَلْ فِي كُلِّ شَهْرٍ وَلا تَكُنْ عَنْهُمْ لَمِنَ الغَافِلِينَ، ثُمَّ انْصِبْ مِيزَانَ اللهِ فِي مُقَابَلَةِ عَيْنِكَ ثُمَّ اجْعَلْ نَفْسَكَ فِي مَقَامٍ الّذِي كَأَنَّكَ تَرَاهُ ثُمَّ وَزِّنْ أَعْمالَكَ بِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ بَلْ فِي كُلِّ حِينٍ، وَحَاسِبْ نَفْسَكَ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبَ فِي يَوْمٍ الّذِي لَنْ يَسْتَقِرَّ فِيهِ رِجْلُ أَحَدٍ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتَضْطَرِبُ فِيهِ أَفْئِدَةُ الغَافِلِينَ، وَيَنْبَغِي لِلسُّلْطَانِ بِأَنْ يَكُونَ فَيْضُهُ كَالشَّمْسِ يُرَبِّي كُلَّ شَيءٍ وَيُعْطِي كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ وَهذَا لَمْ يَكُنْ مِنْهَا بَلْ بِمَا قُدِّرَ مِنْ لَدُنْ مُقْتَدِرٍ قَدِيرٍ، وَيَكُونُ رَحْمَتُهُ كَالسَّحَابِ يُنْفِقُ عَلَى العِبَادِ كَمَا يُنْفِقُ السَّحَابُ أمْطَارَ الرَّحْمَةِ عَلَى كُلِّ أَرْضٍ بِأَمْرٍ مِنْ مُدَبِّرٍ عَلِيمٍ، إِيَّاكَ أَنْ لا تَطْمَئِنَّ مِنْ أَحَدٍ فِي أَمْرِكَ وَلَمْ يَكُنْ لَكَ أَحَدٌ كَمِثْلِكَ عَلَى نَفْسِكَ كَذلِكَ نُبَيِّنُ لَكَ كَلِمَاتِ الحِكْمَةِ وَنُلْقِي عَلَيْكَ مَا يُقَلِّبُكَ عَنْ شِمَالِ الظُّلْمِ إِلَى يَمِينِ العَدْلِ وَيَهْدِيكَ إِلَى شَاطِئِ قُرْبٍ مُنِيرٍ، كُلُّ ذلِكَ مِنْ سِيرَةِ المُلُوكِ الَّذِينَ سَبَقُوكَ فِي المُلْكِ وَكَانُوا أَنْ يَعْدِلُوا بَيْنَ النَّاسِ وَيَسْلُكُوا عَلى مَنَاهِجِ عَدْلٍ قَويمٍ، إِنَّكَ ظِلُّ اللهِ فِي الأَرْضِ فَافْعَلْ مَا يَلِيقُ لِهذَا الشَّأْنِ المُتَعَالِ العَظِيمِ، وَإِنَّكَ إِنْ تَخْرُجْ عَمَّا ألْقَيْنَاكَ وَعَلَّمْنَاكَ لَتَخْرُجْ عَنْ هذا الشَّأْنِ الأَعَزِّ الرَّفِيعِ، فَارْجِعْ إِلَى اللهِ بِقَلْبِكَ ثُمَّ طَهِّرْهُ عَنِ الدُّنْيا وَزُخْرُفِها وَلا تُدْخِلْ فِيهِ حُبَّ المُغَايِرِينَ، لأَنَّكَ لَوْ تُدْخِلُ فِيهِ حُبَّ الغَيْرِ لَنْ يَسْتَشْرِقَ عَلَيْهِ أَنْوَارُ تَجَلِّي اللهِ، لأَنَّ اللهَ مَا جَعَلَ لأَحَدٍ مِنْ قَلْبَيْنِ وَهذا مَا نُزِّلَ فِي كِتابٍ قَدِيمٍ، وَلَمَّا جَعَلَهُ اللهُ وَاحِدًا يَنْبَغِي لِحَضْرَتِكَ بِأَنْ لا تُدْخِلَ فِيهِ حُبَّيْنِ، إِذًا تَمَسَّكْ بِحُبِّ اللهِ وَأَعْرِضْ عَنْ حُبِّ مَا سِوَاهُ لِيُدْخِلَكَ اللهُ فِي لُجَّةِ بَحْرِ أَحَدِيَّتِهِ وَيَجْعَلَكَ مِنَ المُوَحِّدِينَ، فَوَاللهِ لَمْ يَكُنْ مَقْصُودِي فِيمَا أَلْقَيْنَاكَ إِلَّا تَنْزِيهَكَ عَنِ الأَشْيَاءِ الفَانِيَةِ وَوُرُودَكَ فِي جَبَرُوتِ البَاقِيَةِ وَتَكُونَ فِيهِ بِإِذْنِ اللهِ لَمِنَ الحَاكِمينَ، أَسَمِعْتَ يَا أَيُّهَا المَلِكُ مَا وَرَدَ عَلَيْنَا مِنْ وُكَلائِكَ وَمَا عَمِلُوا بِنَا أَمْ كُنْتَ مِنَ الغَافِلينَ، وَإِنْ سَمِعْتَ وَعَلِمْتَ لِمَ مَا أَنَهَيْتَهُمْ عَنْ فِعْلِهِمْ وَرَضِيتَ لِمَنْ أَجَابَ أَمْرَكَ وَأَطَاعَكَ مَا لا يَرْضَى لأَهْلِ مَمْلَكَتِهِ أَحَدٌ مِنَ السَّلاطِينِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُطَّلِعًا هذا أَعْظَمُ مِنَ الأُولَى إِنْ أَنْتَ مِنَ المُتَّقِينَ، إِذًا أَذْكُرُ لِحَضْرَتِكَ لِتَطَّلِعَ بِمَا وَرَدَ عَلَيْنَا مِنْ هؤُلاءِ الظَّالِمِينَ، فَاعْلَمْ بِأَنَّا جِئْنَاكَ بِأَمْرِكَ وَدَخَلْنَا مَدِينَتَكَ بِعِزٍّ مُبِينٍ، وَأَخْرَجُونَا عَنْها بِذِلَّةٍ الَّتِي لَنْ تُقَاسَ بِهِ ذِلّةٌ فِي الأَرْضِ إِنْ أَنْتَ مِنَ المُطَّلِعِينَ، وَأَذْهَبُونَا إِلَى أَنْ دَخَّلُونَا فِي مَدِينَةٍ الَّتِي لَنْ يَدْخُلَ فِيهَا أَحَدٌ إِلَّا الَّذِينَ هُم عَصَوْا أَمْرَكَ وَكَانُوا مِنَ العَاصِينَ، وَكَانَ ذلِكَ بَعْدَ الّذِي مَا عَصَيْنَاكَ فِي أَقَلَّ مِنْ آنٍ فَلَمَّا سَمِعْنَا أَمْرَكَ أَطَعْنَاهُ وَكُنَّا مِنَ المُطِيعينَ، وَمَا رَاعَوْا فِينَا حَقَّ اللهِ وَحُكْمَهُ وَلا فِيمَا نُزِّلَ عَلَى الأَنْبِياءِ وَالمُرْسَلِينَ، وَمَا رَحَمُوا عَلَيْنَا وَفَعَلُوا بِنَا مَا لا فَعَلَ مُسْلِمٌ عَلَى مُسْلِمٍ وَلا مُؤْمِنٌ عَلَى كَافِرٍ وَكَانَ اللهُ عَلَى مَا أَقُولُ شَهِيدٌ وَعَلِيمٌ، وَحِينَ إِخْرَاجِنَا عَنْ مَدِينَتِكَ حَمَلُونَا عَلَى خُدُورِ الَّتِي تَحْمِلُ عَلَيْهَا العِبَادُ أَثْقَالَهُمْ وَأَوْزَارَهُمْ كَذلِكَ فَعَلُوا بِنَا إِنْ كَانَ حَضْرَتُكَ لَمِنَ المُسْتَخْبِرينَ، وَأَذْهَبُونَا إِلَى أَنْ وَرَّدُونا فِي بَلْدَةِ العُصاةِ عَلَى زَعْمِهِمْ، فَلَمَّا وَرَدْنا مَا وَجَدْنا فِيها مِنْ بَيْتٍ لِنَسْكُنَ فِيها لِذا نَزَلْنا فِي مَحَلٍّ الّذِي لَنْ يَدْخُلَ فِيهِ إِلَّا كُلُّ ذِي اضْطِرارٍ غَرِيبٍ، وَكُنَّا فِيهِ أَيَّامًا مَعْدُودةً وَاشْتَدَّ عَلَيْنَا الأَمْرُ لِضِيقِ المَكَانِ لِذَا اسْتَأْجَرْنا بُيوتَ الَّتِي تَرَكُوها أَهْلُها مِنْ شِدَّةِ بَرْدِها وَكَانُوا مِنَ التَّارِكِينَ، وَلَنْ يَسْكُنَ فِيها أَحَدٌ إِلَّا فِي الصَّيْفِ وَإِنَّا فِي الشِّتَاءِ كُنَّا فِيها لَمِنَ النَّازِلِينَ، وَلَمْ يَكُنْ لأَهْلِي وَلِلّذِينَ هُمْ كَانُوا مَعِي مِنْ كِسْوَةٍ لِتَقِيهِمْ عَنْ البَرْدِ فِي هذَا الزَّمْهَريرِ، فَيا لَيْتَ عَامَلُوا بِنَا هؤُلاءِ الوُكَلاءُ بِالأُصُولِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمْ فَوَاللهِ مَا عَامَلُوا بِنَا لا بِحُكْمِ اللهِ وَلا بِالأُصُولِ الَّتِي يَدَّعُونَ بِها وَلا بِالقَواعِدِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ النَّاسِ وَلا بِقَوَاعِدِ أَرَامِلِ الأَرْضِ حِينَ الَّذِي يَدْخُلُ عَلَيْهِنَّ أَحَدٌ مِنْ عَابِرِ السَّبِيلِ، كَذلِكَ وَرَدَ عَلَيْنا مِنْ هؤُلاءِ قَدْ أَذْكَرْناهُ لَكَ بِلِسَانِ صِدْقٍ مَنِيعٍ، كُلُّ ذلِكَ وَرَدَ عَلَيَّ بَعْدَ الَّذِي قَدْ جِئْتُهُمْ بِأَمْرِهِمْ وَمَا تَخَلَّفْتُ عَنْ حُكْمِهِمْ لأَنَّ حُكْمَهُمْ يَرْجِعُ إِلَى حَضْرَتِكَ لِذَا أَجَبْناهُمْ فِيما أَمَرُوا وَكُنَّا مِنَ المُجِيبِينَ، كَأَنَّهُمْ نَسَوْا حُكْمَ اللهِ فِي أَنْفُسِهِمْ قَالَ وَقَوْلُهُ الحَقُّ "فَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ" كَأَنَّهُمْ مَا أَرَادُوا شَيْئًا إِلَّا رَاحَةَ أَنْفُسِهِمْ وَلَنْ يَسْمَعُوا ضَجِيجَ الفُقَرَاءِ وَلَنْ يَدْخُلَ فِي آذانِهِم صَرِيخُ المَظْلُومِينَ، كَأَنَّهُمْ ظَنُّوا فِي أَنْفُسِهِم بِأَنَّهُمْ خُلِقُوا مِنَ النُّورِ وَدُونَهُمْ مِنَ التُّرَابِ فَبِئْسَ مَا ظَنُّوا كُلُّنَا خُلِقْنَا مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ، يَا أَيُّها المَلِكُ فَوَاللهِ مَا أُرِيدُ أَنْ أَشْكُوَ مِنْهُمْ فِي حَضْرَتِكَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ الَّذِي خَلَقَنَا وَإِيَّاهُمْ وَكَانَ عَلَيْنَا وَعَلَيْهِمْ لَشَاهِدٌ وَوَكِيلٌ بَلْ أُرِيدُ أَنْ أُذَكِّرَهُمْ بِأَعْمَالِهِمْ لَعَلَّ لا يَفْعَلُوا بِأَحَدٍ كَمَا فَعَلُوا بِنَا وَلَعَلَّ يَكُونُنَّ مِنَ المُتَذَكِّرِينَ، سَتَمْضِي بَلايانا وَاضْطِرارُنا وَالشِّدَّةُ الَّتِي أَحاطَتْنا مِنْ كُلِّ الجِهاتِ وَكَذلِكَ تَمْضِي رَاحَتُهُمْ وَالرَّخَاءُ الَّذِي كَانُوا فِيهِ وَهذا مِنْ حَقٍّ الَّذِي لَنْ يُنْكِرَهُ أَحَدٌ مِنَ العَالَمِينَ، وَسَيُقْضَى سُكُونُنا عَلَى التُّرابِ بِهذِهِ الذِّلَّةِ وَجُلُوسُهُمْ عَلَى سَرِيرِ العِزَّةِ وَيَحْكُمُ اللهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ وَهُوَ خَيْرُ الحَاكِمينَ وَنَشْكُرُ اللهَ فِي كُلِّ مَا وَرَدَ عَلَيْنَا وَنَصْبِرُ فِيمَا قُضِيَ وَيَقْضِي وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ فَوَّضْتُ أَمْرِي وَإِنَّهُ يُوفِي أُجُورَ الصَّابِرينَ وَالمُتَوَكِّلِينَ، لَهُ الأَمْرُ وَالخَلْقُ يُعِزُّ مَنْ يَشَاءُ وَيُذِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَلا يُسْئَلْ عَمَّا شَاءَ وَإِنّهُ لَهُوَ العَزِيزُ القَدِيرُ، اسْمَعْ يَا سُلْطانُ مَا أَلْقَيْنا عَلَى حَضْرَتِكَ ثُمَّ امْنَعِ الظَّالِمينَ عَنْ ظُلْمِهِمْ ثُمَّ اقْطَعْ أَيْدِيَهُمْ عَنْ رُؤُوسِ المُسْلِمِينَ، فَوَاللهِ وَرَدَ عَلَيْنَا مَا لا يَجْرِي القَلَمُ عَلَى ذِكْرِهِ إِلَّا بِأَنْ يَحْزَنَ رَاقِمُهُ وَلَنْ تَقْدِرَ أَنْ تَسْمَعَهُ آذانُ المُوَحِّدِينَ، وَبَلَغَ أَمْرُنَا إِلَى مَقامٍ الَّذِي بَكَتْ عَلَيْنا عُيونُ أَعْدَائِنَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ كُلُّ ذِي بَصَرٍ بَصِيرٍ، بَعْدَ الَّذِي تَوَجَّهْنا إِلَى حَضْرتِكَ وَأَمَرْنَا النَّاسَ بِأَنْ يَدْخُلُوا فِي ظِلِّكَ لِتَكُونَ حِصْنًا لِلْمُوَحِّدِينَ، أَخَالَفْتُكَ يَا سَلْطَانُ فِي شَيْءٍ أَوْ عَصَيْتُكَ فِي أَمْرٍ أَوْ مَعَ وُزَرَائِكَ الَّذِينَ كَانُوا أَنْ يَحْكُمُوا فِي العِرَاقِ بِإِذْنِكَ؟ لا فَوَرَبِّ العَالَمِينَ، مَا عَصَيْنَاكَ وَلا إِيَّاهُمْ فِي أَقَلَّ مِنْ لَمْحِ البَصَرِ وَلا أَعْصِيكَ مِنْ بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللهُ وَأَرَادَ وَلَوْ يَرِدُ عَلَيْنَا أَعْظَمُ عَمَّا وَرَدَ وَنَدْعُوكَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَفِي كُلِّ بُكُورٍ وَأَصِيلٍ، لِيُوَفِّقَكَ اللهُ عَلَى طَاعَتِهِ وَإِجْرَاءِ حُكْمِهِ وَيَحْفَظَكَ مِنْ جُنُودِ الشَّيَاطِينِ، إِذًا فَافْعَلْ مَا شِئْتَ وَمَا يَنْبَغِي لِحَضْرَتِكَ وَيَلِيقُ لِسَلْطَنَتِكَ وَلا تَنْسَ حُكْمَ اللهِ فِي كُلِّ مَا أَرَدْتَ أَوْ تُرِيدُ، وَقُلِ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.